ميثولوجيا الحروب في العراق القديم الحروب المقدسة عند الآشوريين أنموذجاً

الملخص

في البدء لابد من التعرف بالواقع العام  لبلاد آشور في الألفين الثاني والأول ق. م، لأن تلك الحقبة تمثل ازدهار الآشوريين سياسياً  وبشكل لافت للنظر في الألف الأول ق .م .       

إن المتتبع للتاريخ الآشوري في الألف الثاني ق . م يلمس اهتمام الآشوريين بالجانب الاقتصادي أكثر من اهتمامهم بالجوانب الأخرى ومنها العسكرية ، ومدعاة هذا الاهتمام؛ لامتلاك آشور مراكز تجارية في مناطق مختلفة يصل بعضها إلى آسيا الصغرى ، لذا فإن العامل الاقتصادي ( التجاري ) ظل ملازما لآشور حتى نهاية كيانها السياسي 612 ق .م، فكان الفكر السياسي الآشوري في تلك المدة منصبا على العامل التجاري أكثر من الجانب العسكري، بيد إن هذا الفكر بدأ بالتغير حين وجد الآشوريين أنفسهم تحت السيطرة الميتانية لمدة خمسة قرون ^([i]). ومن ثُّم الضغط الحثي عليهم في الجهات الشمالية والشمالية الغربية من بلادهم، وزحف القبائل الآرامية وسيطرتها على الطرق التجارية الآشورية ؛ مما أثر كثيرا على تجارة الآشوريين ، فأصابها الشلل، وبقيت تحت رحمة تلك القبائل التي وصلت بزحفها على مقربة من أبواب مدينة آشور ^([ii]) ، عند ذاك أدرك الملوك الآشوريين أن استقلال بلادهم والدفاع عن أمنهم القومي ينصب في دفع أخطار تلك الأقوام التي تهددهم^([iii]) ، بشّن حروب ضدهم، مع تغير في مفهومها من  الواقعي إلى إعطائها صفة القدسية ، وذلك برفع سمو تلك الحروب، على أنها حرب بين الآلهة  ^([iv])، مدفوعين بالعامل الديني الذي كان يشكل جزءاً مهماً في ادعاءاتهم لقيادة الحملات العسكرية الخارجية من اجل أن تكون صفة تلك الحروب مقدسة ، لذا ضخموا بقدسية هذه الحروب ، فوصلت لنا أخبارها مشحونة بمعتقدات ميثولوجية ، مما شكل حافزاً للمشاركة بتلك الحرب وتبريرا لشّنها، لذا فإن كفاح الشعب الآشوري وملكهم كانا يمثلان لهم كفاح ونضال الإله آشور من اجل السيطرة على العالم، وإن جميع الأعمال العسكرية التي يقودها الملك الآشوري ضد أعدائه إنما هي تمثل أرضاء للآلهة^([v]) ؛ فكان الطابع القدسي الصفة الأبرز لها، وهذا واضحا من كتابات الملوك الآشوريين حينما برروا تلك الحملات على أنها كانت  بأمر الإله آشور^([vi]). وحمَّلت سمة مميزة تمثلت بان الشعار الرسمي لتلك الحملات كان مؤطراً بالدين، إذ كانت اغلب الحملات هي تنفيذ لأوامر الآلهة  بشكل عام  والإله آشور بشكل خاص^([vii]) .