قراءة نقدية لآراء الفارابي الفلسفية -نظرية النفس انموذجاً-

المؤلفون

  • أياد كريم الصلاحي, أ.م.د. كلية الآداب- جامعة واسط

DOI:

https://doi.org/10.31185/lark.Vol4.Iss23.573

الملخص

منذ أن اتهم ((ابن طفيل)) في قصته(حي بن يقظان) الفارابي بالتردد والاضطراب في أمر النفس، والموضوع عرضة للخلاف وإثارة الغبار على المعلم الثاني وموقفه من خلود النفس، لاسيما بعد أن تلقف المحدثون ذلك الاتهام وبنوا عليه نتائج جانبَها الصواب في كثير من الأحيان([i]). وسبيلنا الوحيد لتحقيق هذه القضية هو استعراض رأي ابن طفيل، والتثبت من صحة ما نُسب إلى الفارابي، ثم عرض آراء الأخير من واقع نصوصه الثابتة لاستخلاص النتائج النهائية، دونما إغفال لآراء المحدثين في هذه المسألة:

يقول ابن طفيل ((وأما ما وصل إلينا من كتب أبي نصر فأكثرها في المنطق وما ورد منها في الفلسفة فهي كثيرة الشكوك.. فقد اثبت في كتاب ((الملّة الفاضلة)) ([ii]) بقاء النفوس الشريرة بعد الموت في آلام لا نهاية لها وبقاء لا نهاية له ثم صرح في  ((السياسة المدنية)) بأنها منحّلة وسائرة إلى العدم، وانه لا بقاء إلا للنفوس الفاضلة، الكاملة ثم وصف في ((شرح كتاب الأخلاق))([iii]) شيئاً من أمر السعادة الإنسانية وإنها إنما تكون في هذه الحياة التي في هذه الدار، ثم عقب ذلك كلاماً هذا معناه"وكل ما يذكر غير هذا فهو هذيان وخرافات عجائز))([iv]).

يبدو إن ابن طفيل يشير في قوله ((بقاء النفوس الشريرة بعد الموت في آلام لا نهاية وبقاء لا نهاية له)) إلى ما جاء في كتاب (الملّة) من سعادة الأفاضل والإبرار وشقاء الأراذل والفجار في الحياة الآخرة من جهة([v]) والى ما جاء في (آراء أهل المدينة الفاضلة) من جهة ثانية([vi]) أما قوله عن تصريح الفارابي في ((السياسة المدنية)) بأنها منحلّة وسائرة إلى العدم وانه لا بقاء إلا للنفوس الفاضلة الكاملة، فأنه يشير إلى من وصفه الفارابي بأنه لا يصغي أصلا إلى قول مرشد ولا معلم ولا مقوّم، فهؤلاء تبقى أنفسهم هيولانية غير مستكملة استكمالاً تفارق به المادة حتى إذا بطلت المادة بطلت هي أيضاً([vii]).

فإذا ما أخذنا بالحسبان عدول الفارابي عن رأي أرسطو بعد النفس صورة للجسد([viii]) إلى عدّها جوهراً روحياً([ix]) وهذا العدول في حد ذاته يقرب موقف الفارابي من القول بخلود النفس على أساس إن كون النفس صورة للجسد قد يعني فيما يعنيه فناء تلك الصورة بفناء الجسد، حيث لا يمكن إن توجد الصورة دون وجود المادة المهيئة لها، كما إن القول بأن النفس جوهر روحي مفارق يقرّب أيضاً موقفه بشكل كبير من فكرة الخلود([x]).

 

([i]) أنظر: دي بور، تاريخ الفلسفة في الإسلام، نقله إلى العربية: محمد عبد الهادي ابو ريدة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1938م، ص 148، وانظر: جوزيف الهاشم، الفارابي (سلسلة نوابغ الفكر العربي)، دار الشرق الجديد، ط1،1960، ص129.

([ii]) لم تذكر فهارس كتب الفارابي القديمة كتاب ((الملّة الفاضلة)) وإنما المعروف له كتاب (الملّة) وهو يخلو أيضاً من أية إشارة لما ذكره ابن طفيل. انظر الفارابي، كتاب الملّة- ونصوص أخرى- تحقيق د.محسن مهدي، دار المشرق، بيروت، 1968، ص14، (المقدمة) على إن للفارابي رسالة في أربع صفحات بعنوان (في الملّة الفاضلة) لم يبحث فيها موضوع النفس أصلاً ناهيك خلودها. انظر: د.عبد الرحمن بدوي، رسائل فلسفية، ط2، دار الأندلس، بيروت،1980، ص33-36.

([iii]) من المعروف إن الفارابي آلف شرحاً على كتاب ((الأخلاق النيقوماخية)) لم يصلنا ولكنه أشار إليه في (الجمع بين رأيي الحكيمين) إذ يقول: إن أرسطو في كتابه المعروف بـ ((نيقوماخيا)) إنما يتكلم على القوانين المدنية، على ما بيناه في مواضيع عن شرحنا لذلك الكتاب. انظر: الفارابي، الجمع بين رأيين الحكيمين، تحقيق الدكتور علي بو ملحم، ط1، دار الهلال، بيروت، 1966، ص1، ص50. وأشار إليه أيضاً ابن باجة في ((رسالة الوداع)) ضمن: رسائل ابن باجة الإلهية، تحقيق ماجد فخري، بيروت، 1968، ص116واشار إليه ابن رشد في الشرح الكبير لكتاب النفس لأرسطو، ترجمة، إبراهيم الغربي، بيت الحكمة التونسي، ط1، 1997م، ص 219.

([iv]) ابن طفيل، حي بن يقظان، تحقيق احمد أمين، دار المدى، بغداد- دمشق، 2005، ص 61.

([v]) الفارابي، الملّة- ونصوص أخرى- تحقيق محسن مهدي، ص45.

([vi]) الفارابي، أراء أهل المدينة الفاضلة، ط1، تحقيق البير نصري نادر، المطبعة الكاثوليكية، بيروت،1959، ص114.

([vii]) الفارابي، السياسة المدنية، تحقيق الدكتور فوزي متري النجار، ط1، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1964، ص83 ، ولا بد لي من التنويه هنا إلى عدم دقة الدكتور ماجد فخري الذي يقول: ولم نقع في كتاب ((السياسة المدنية)) المنشور على قول صريح في هذا الباب انظر: اثر الفارابي في الفلسفة الأندلسية، وزارة الإعلام، بغداد، 1975، ص6، هامش4.

([viii]) أنظر أرسطو، في النفس، الترجمة العربية، القديمة  لإسحق بن حنين، تحقيق عبد الرحمن بدوي، ط 2، وكالة  المطبوعات الكويت- دار القلم، بيروت، ص29، وانظر: يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، ط5، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1966م، ص153.

([ix]) للفارابي براهين قاطعة على جوهرية النفس ومفارقتها للبدن، انظر: رسالة في إثبات المفارقات، ضمن: رسائل الفارابي، تحقيق، موفق فوزي الجبر، ط2، دار الينابيع، دمشق، 2008، ص18.

([x]) د. إبراهيم العاتي، الإنسان في فلسفة الفارابي، ط1، دار النبوغ، بيروت، 1988، ص103.

المراجع

1- المطبوعات:
 آل ياسين، د.جعفر:
2- فيلسوفان رائدان الكندي والفارابي، ط1،دار الأندلس ،بيروت،1980م.
3- فيلسوف عالم- دراسة تحليلية لحياة ابن سينا وفكره الفلسفي، ط1، دار الأندلس، بيروت،1984م.
 ابن باجة، أبو بكر بن الصائغ:
- تدبير المتوحد، ضمن: رسائل ابن باجة الإلهية، تحقيق: ماجد فخري، دار النهار، بيروت، 1968م.
 ابن رشد :
- الشرح الكبير لكتاب النفس لأرسطو، نقله من اللاتينية الى العربية الأستاذ إبراهيم الغربي، بيت الحكمة التونسي، ط1 ،1997م.
- الشفاء، النفس، تحقيق: الأستاذين: الأب قنواتي وسعيد زايد،الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1975م.
 أبن سينا:
- التعليقات، تحقيق: عبد الرحمن بدوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1973م.
- النجاة، تحقيق: سليمان دنيا، ط1، دار الآفاق الجديدة، بيروت،1985م.
 ابن طفيل :
- حي بن يقظان، تحقيق: أحمد أمين، دار المدى، بغداد-دمشق،2005م.
 أرسطو طاليس:
- في النفس، نقله إلى العربية: إسحاق بن حنين، تحقيق: عبد الرحمن بدوي، ط2، وكالة المطبوعات، الكويت، دار القلم، بيروت،1980م.
 بدوي،عبد الرحمن:
- رسائل فلسفية، ط2، دار الأندلس، بيروت،1980م.
 دي بور :
- تاريخ الفلسفة في الإسلام، نقله الى العربية: محمد عبد الهادي أبو ريدة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1938م.
 زايد، سعيد:
- الفارابي (سلسلة نوابغ الفكر العربي)، ط2، دار المعارف، مصر،1970م.
 الشيرازي، ملا صدرا:
- مفاتيح الغيب، ط1،مؤسسة التاريخ العربي، بيروت،2008م.
 العاتي، د.إبراهيم:
- الإنسان في فلسفة الفارابي، ط1،دار النبوغ ،بيروت،1988م .
 الفاخوري، حنا وخليل الجر:
- تاريخ الفلسفة العربية، مؤسسة بدران، بيروت،1966م .
 الفارابي، أبو نصر:
- الجمع بين رأيي الحكيمين، تحقيق: د.علي بو ملحم، دار الهلال، بيروت، 1966م .
- الملّة ونصوص أخرى، تحقيق: د. محسن مهدي، دار المشرق، بيروت،1968م.
- آراء أهل المدينة الفاضلة، تحقيق: البير نصري نادر، ط1، المطبعة الكاثوليكية، بيروت،1959م.
- فصوص الحكم، ضمن: رسائل الفارابي، تحقيق موفق فوزي الجبر، ط2، دار الينابيع، دمشق، 2008م.
- عيون المسائل ،ضمن مجموعة رسائل الفارابي، القاهرة ،1907م.
 فرح، الخوري إلياس:
- الفارابي، مطبعة المرسَلين اللبنانيين، بيروت، 1937م.
 قاسم، محمود:
- النفس والعقل عند الفلاسفة الإغريق والإسلام، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1949م.
 كرم، يوسف:
- تاريخ الفلسفة اليونانية، ط5، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة،1966م.
 محمد، يحيي:
الفلسفة والعرفان والإشكاليات الدينية، ط1، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت،2008م.
 مدكور، إبراهيم:
- في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق، ط3، دار المعارف، القاهرة،1983م .
 اليازجي، د.كمال :
- معالم الفكر العربي في العصر الوسيط، ط6، بيروت، 1979م.

منشور

2019-05-03

إصدار

القسم

بحوث متفرقة

كيفية الاقتباس

الصلاحي أ. ك. (2019). قراءة نقدية لآراء الفارابي الفلسفية -نظرية النفس انموذجاً-. لارك, 8(3), 701-709. https://doi.org/10.31185/lark.Vol4.Iss23.573