تأويل الزمن في النص القرآني بين الرؤية الكونية والتشكيل السردي

الملخص

يحاول هذا البحث تقديم قراءة تأويلية للدلالات الممكنة بين الرؤية الكونية والتشكيل السردي في النص القرآني, مسلطًا الضوء على الزمن في بُعديه: النصِّي والحقيقي؛ سعيًا إلى اكتشاف العلاقات المشتركة بين هذين البُعدين, وإبراز أهميتها الأسلوبية والفكرية في بناء القصص القرآني، فضلاً عن بيان دلالاتها الروحية والمعرفية. وقد انطلق البحث من فرضية أن الزمن في القصص القرآني لا يُستعمل بوصفه إطارًا خارجيًّا محايدًا، بل هو عنصر فعّال ومُوجِّه للفعل السردي، وناقل لمضامين عقائدية وتربوية عميقة.

     يتضمن البحث الإطار المفاهيمي لنشأة تصورات الزمن في الفلسفة والدين بصورة موجزة، من ثم يستعرض أبرز الاتجاهات الفكرية التي حاولت تفسير ماهية الزمن، مع الإشارة إلى خصوصية الرؤية الكونية القرآنية في إدراك الزمن بوصفه كيانًا مرتبطًا بالحركة الإلهية في الخلق والبعث والجزاء. من ثم ينتقل إلى تتبع أبرز أشكال الزمن السردي في القصص القرآني، مثل: الترتيب الزمني، والاسترجاع، والاستباق، وطي الزمن، مبرزًا كيف يوظّف السرد القرآني هذه التقنيات لتحقيق التكثيف المعنوي، والتأثير الجمالي، دون الخضوع للترتيب الخطِّي الحرفي للأحداث. لينتقل بعد ذلك للبحث في أثر الزمن في تشكيل الشخصيات وبناء الحبكة، محاولًا إيضاح الكيفية التي يتداخل بها الزمن مع تطور الشخصيات، ومراحل التحول في مواقفها، مستندًا إلى أمثلة منها قصة موسى والعبد الصالح، وأصحاب الكهف، ويوسف عليهم السلام.        

    كما يحاول البحث دراسة البعد الوعظي والتربوي للزمن، وإيضاح كيفية توظيف القرآن الكريم عنصر الزمن لزرع مفاهيم المحاسبة، والتحول، والصبر، والعاقبة، مما يعزز البعد الروحي والأخلاقي للقصص, كما يرمي البحث إلى تناول الزمن من زاوية فلسفية قرآنية، من خلال استعراض الكيفية التي يتجاوز بها الزمن في القصص القرآني مفاهيم الكم؛ ليُشكّل جزءًا من سنن الوجود والاختبار الإلهي للإنسان، متصلًا بالرؤية القرآنية للخلق والتاريخ والحساب.

    وقد خلص البحث إلى أن الزمن في النص القرآني ليس مجرد بعد سردي، بل هو عنصر جوهري تتجلى فيه فلسفة القرآن الكريم في نظرتها إلى الإنسان والتاريخ، وهو وسيلة لترسيخ القيم، وتحفيز التأمل، وتحقيق الوظيفة الجمالية والوعظية للنص القصصي في آنٍ معًا.